الحوسبة السحابية: ثورة تقنية تُعيد تشكيل عالمنا

الحوسبة السحابية: ثورة تقنية تُعيد تشكيل عالمنا
تُعَدّ الحوسبة السحابية من أبرز التطورات التكنولوجية في العصر الحديث؛ فقد أحدثت تغييرات جوهرية في مختلف المجالات؛ إذ غيّرت هذه التقنية المُتقدّمة أساليب العمل، ووسائل التواصل، وآليّات تخزين البيانات، جذريّاً.

وتُعرّف الحوسبة السحابية (Cloud computing) بأنَّها تقديم خدمات الحوسبة عبر الإنترنت، أو ما يُسمَّى بالسحابة، وتشمل هذه الخدمات مجموعة واسعة من الموارد التقنية؛ بدءاً من الخوادم، والتخزين، وقواعد البيانات، وصولاً إلى الشبكات، والبرمجيات، والتحليلات، والذكاء الاصطناعي، والهدف الأساسي من هذه التقنية هو تسريع عجلة الابتكار، وتوفير موارد مَرِنة، وتحقيق وُفورات مالية كبيرة للمؤسسات.

وتتميز الحوسبة السحابية بنموذج عمل يختلف جذريّاً عن النهج التقليدي؛ فبدلاً من الاستثمار الضخم في البنية التحتية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، أو إنشاء مراكز بيانات ذات نفقة عالية، تلجأ الشركات إلى الحصول على مجموعة متنوعة من الخدمات من مُزوِّدي الخدمات السحابية، وهذا النهج المُبتكَر يُوفّر على الشركات نفقات باهظة تتعلّق بشراء البنية التحتية الخاصّة، وصيانتها؛ فالدفع يكون فقط مقابل الخدمات المُستخدَمة عند استخدامها.

وفيما يأتي أبرز القطاعات التي تأثّرت بهذه الثورة التقنية:

التعليم: تحوُّل جذريّ

أحدثت الحوسبة السحابية تحوّلاً جذرياً في قطاع التعليم، مُغيِّرة بذلك وجه التعليم التقليدي، وفيما يأتي توضيح لذلك:

تقليل النفقات التقنية

قلَّلت الحوسبة السحابية من حاجة المدارس إلى الأجهزة والبرمجيات ذات النفقة العالية؛ فالمؤسسات التعليمية تستطيع الآن الاعتماد على أجهزة بسيطة مُتَّصِلة بالإنترنت؛ لأنّ معالجة البيانات المُعقَّدة أصبح يتم في مراكز بيانات السحابة وليس على أجهزة المؤسسة التعليمية؛ إذ يتكفَّل مُزوِّد خدمة السحابة بتوفير أنظمة التخزين، وبرامج الحماية، ممّا يُوفّر على المدارس نفقات كبيرة في شراء هذه الأنظمة وصيانتها.

الوصول الدائم للمحتوى التعليمي

أصبح بإمكان الطلاب الوصول إلى مجموعة واسعة من الموارد التعليمية عبر الإنترنت، وتشمل هذه الموارد الكتب الإلكترونية، والفيديوهات التعليمية، والدروس المُسجَّلة، وغيرها من الموادّ التعليمية الرقمية، وأهمّ ما يُميّز هذا النظام إمكانية الوصول إلى هذه الموارد في أيّ وقت، ومن أيّ مكان، كما أنَّه يُتيح للطلاب فرصة التعلّم وفقاً لجداولهم الزمنية الخاصّة، وظروفهم الفردية، ممّا يُوفّر مرونةً غير مسبوقة في عملية التعلُّم.

التحول نحو التعليم الرقمي

أدّى استخدام الحوسبة السحابية إلى تقليل الاعتماد على الورق في المدارس؛ فقد أصبح بإمكان الطلاب الوصول إلى الكتب الدراسية، وتسليم الواجبات إلكترونياً، ممّا يُقلّل النفقات، ويسهم في الحفاظ على البيئة.

بالإضافة إلى إنشاء نُسَخ مُتعدِّدة من الملفّات، أو الاجتماع حول جهاز واحد بحيث يمكن للجميع الوصول إلى الملفّ نفسه، وتعديله مباشرة، ممّا يجعل العمل الجماعي أكثر سلاسةً وفاعليةً، وتُوفّر السحابة للمُعلِّمين مِنصّة لتبادل خطط الدروس، والأفكار التعليمية بسهولة، ممّا يُعزّز التعاون وتبادل الخبرات بينهم.

الرعاية الصحية: تغييراتٌ جوهريّة

أحدثت الحوسبة السحابية تغييرات جوهرية في كيفية تقديم الخدمات الطبّية وإدارتها؛ إذ أسهمت في تحسين تجربة المرضى والأطبّاء على حدّ سواء، وتمثَّل ذلك بما يأتي:

التطبيب عن بُعد

أصبح بإمكان المرضى الحصول على استشارات طبّية عالية الجودة دون الحاجة إلى الذهاب إلى العيادات، أو المستشفيات، ممّا يُوفّر الوقت والجهد على المرضى، ويُخفّف الضغط على المرافق الصحية، ويمكن للأطبّاء متابعة الحالات المُزمِنة عن كثب، وتقديم الاستشارات الطارئة بسرعة، وكفاءة.

تحليل البيانات الطبية بكفاءة عالية 

تُوفّر الحوسبة السحابية إمكانات هائلة في مجال تحليل البيانات الطبية؛ إذ يمكن الآن جمع كمّيات ضخمة من المعلومات الصحية بسرعة وكفاءة، وتحليلها، وهذا يساعد الأطبّاء والباحثين في فهم الأمراض على نحو أفضل، واكتشاف علاجات جديدة.

الروبوتات الطبية

فتحت الحوسبة السحابية آفاقاً جديدةً من الروبوتات الطبية المُتطوّرة في مجال الجراحة؛ إذ يمكن استخدام هذه الروبوتات؛ لإجراء عمليات جراحية دقيقة تحت إشراف الأطبّاء المباشر في غرفة العمليات، ممّا يزيد دِقّة الإجراءات، ويُقلّل المخاطر المُحتمَلة، وتُتيح هذه التقنية إمكانية إجراء العمليات عن بُعد؛ إذ يمكن للجرّاح التحكُّم في الروبوت الجراحي من مكان آخر عبر الاتِّصال بإنترنت عالي السرعة. 

الواقع المعزز والواقع الافتراضي

تؤدّي تقنيات الواقع المُعزَّز والواقع الافتراضي دوراً مهماً في تطوير الرعاية الصحية؛ فهي تُستخدَم في تدريب الأطباء والممرضين على إجراءات طبّية مُعقَّدة في بيئة آمِنة وافتراضية، ويمكن استخدامها في مساعدة المرضى على فهم حالتهم الصحّية على نحو أفضل.

تعزيز التعاون بين الكوادر الطبية

أتاحت الحوسبة السحابية فرصاً غير مسبوقة؛ لتعزيز التعاون بين الأطباء والمُتخصِّصين في المجال الصحي؛ إذ يمكن للأطباء مشاركة السجلات الطبية، والصور الإشعاعية، ونتائج التحاليل بسهولة وأمان، وهذا التبادل السريع للمعلومات يُسهِّل عقد الاستشارات الطبية عن بُعد، ويُمكِّن الأطباء من الحصول على آراء زملائهم في الحالات المُعقَّدة بسرعة أكبر، إلى جانب اتِّخاذ قرارات طبّية أكثر دِقّة.

إدارة الأعمال: مزايا استراتيجية

قدمت الحوسبة السحابية مزايا استراتيجية متعدّدة للمؤسسات، ومن أبرزها:

التكامل الرقمي

أتاحت تقنية الحوسبة السحابية المجال لإنشاء بيئة عمل متكاملة؛ إذ تتدفّق المعلومات بسلاسة بين مختلف أقسام المؤسسة، وبدلاً من وجود أنظمة متفرقة، أصبحت العناصر الأساسية من البرمجيات، وأنظمة التشغيل، وصولاً إلى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، مُتمَركِزة في مِنصّة سحابية واحدة.

وقد منح هذا التحوّل الجذري القيادات الإدارية ميزة امتلاك رؤية شمولية للمؤسسة بأكملها، ممّا يُعزّز قدراتهم على وضع خطط استراتيجية أكثر دِقّة وفعالية، وتحسين جودة القرارات المُتَّخَذة على مستوى المؤسسة ككلّ.

المرونة التشغيلية: تحسين إدارة الموارد التقنية

تُعَدّ الكفاءة التشغيلية، والمرونة المالية، من أبرز المزايا التي تُقدِّمها الحوسبة السحابية للمؤسسات الحديثة؛ فقد أحدثت هذه التقنية تحوّلاً جذرياً في كيفية إدارة الشركات لمواردها التقنية، مُقدِّمةً نموذجاً تتَّسِم نفقاته بالمرونة الفائقة والفعالية.

ويُمكِّن هذا النموذج الجديد المؤسسات من تعديل مواردها التقنية بسلاسة؛ استجابةً للتغيّرات في مُتطلّبات الأعمال؛ فسواء كانت الحاجة موجودة إلى زيادة سعة التخزين، أو إلى تعزيز القدرة الحاسوبية، أو إلى إضافة خصائص جديدة، فإنّ ذلك كلّه أصبح مُمكِناً بسهولة ويُسر.

وهذه المرونة الاستثنائية لا تقتصر فقط على تلبية الاحتياجات المتزايدة، بل تمتدّ أيضاً لتشمل إمكانية تقليص الموارد عند انخفاض الطلب، ممّا يضمن الاستخدام الأمثل للميزانية، وتجنُّب هدر الموارد.    

المقال منقول من : الشارقة 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *