السلطان قنصوة الغوري

يعتبر قنصوة الغوري من أبرز الشخصيات في تاريخ مصر الإسلامي، حيث كان آخر السلاطين المماليك الذين حكموا مصر قبل سقوط الدولة المملوكية تحت الاحتلال العثماني. وُلد في القرن الـ15 وتولى الحكم في فترة كانت الدولة المملوكية فيها في حالة من الضعف والتدهور، ومع ذلك، حافظ على العديد من مظاهر القوة والهيبة التي كانت تميز الدولة المملوكية سابقًا. ورغم محاولاته الحثيثة لتثبيت حكمه، فقد شكلت معركة مرج دابق نهاية حكمه، وبداية عصر جديد في تاريخ مصر.
صعود قنصوة الغوري إلى السلطة
وُلد قنصوة الغوري في أسرة مملوكية، وبدأ حياته العسكرية في صفوف الجيش المملوكي. برز بسرعة في المناصب العسكرية حتى وصل إلى رتبة أمير، ثم تولى السلطة بعد وفاة السلطان الأشرف قايتباي في عام 1501.
عندما أصبح الغوري سلطانًا على مصر، كانت الدولة المملوكية في مرحلة حرجة، حيث كانت تشهد صراعات داخلية بين الأمراء المماليك الذين كانوا يتنافسون على السلطة والنفوذ. وفي هذا الوقت، كانت الدولة العثمانية تحت حكم السلطان سليم الأول تسعى لتوسيع حدودها في المنطقة، مما جعل مصر تقع في مرمى الأطماع العثمانية.
محاولات قنصوة الغوري لمواجهة التحديات
حاول قنصوة الغوري تعزيز سلطته، لكن التحديات كانت عديدة. لم تكن الدولة المملوكية في قوتها السابقة، كما كان هناك معارضة من بعض الأمراء المماليك الذين كانوا يسعون للهيمنة على السلطة. وعلاوة على ذلك، كانت الإمبراطورية العثمانية في تقدم مستمر، مما جعل غزوها لمصر أمرًا محتملًا.
قنصوة الغوري حاول تعزيز مكانته في مصر من خلال التوسع في مشاريع البناء والترميم، ومنها تشييد العديد من المساجد والمباني العامة. كما عُرف عنه اهتمامه بتطوير الحياة الثقافية والعلمية في مصر. لكن كل هذه الجهود لم تكن كافية لتقوية المماليك بما يكفي للتصدي للخطر العثماني المتزايد.
معركة مرج دابق وسقوط المماليك
في عام 1516، تصاعدت التوترات بين الدولة العثمانية والمماليك إلى ذروتها في معركة مرج دابق الشهيرة، التي وقعت في شمال سوريا. التقى جيش قنصوة الغوري مع الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول في هذه المعركة الحاسمة. وعلى الرغم من أن الغوري كان قد جمع جيشًا كبيرًا، إلا أن العثمانيين استطاعوا تحقيق نصر ساحق في المعركة. وكانت الخسائر المملوكية فادحة، حيث قُتل قنصوة الغوري في ساحة المعركة.
سقوط الدولة المملوكية
بعد هزيمة الغوري في معركة مرج دابق، بدأ الجيش العثماني في التقدم نحو مصر، وفي عام 1517، دخل العثمانيون مصر بقيادة السلطان سليم الأول. وكان هذا الحدث بمثابة نهاية للدولة المملوكية، حيث أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.
إرث قنصوة الغوري
على الرغم من سقوط الدولة المملوكية تحت الاحتلال العثماني، إلا أن قنصوة الغوري يظل رمزًا من رموز تلك الفترة التاريخية. فقد بذل جهدًا كبيرًا للحفاظ على القوة المملوكية في وقت كانت فيه الدولة تواجه تحديات داخلية وخارجية. ورغم فشله في مقاومة العثمانيين، فقد ترك وراءه إرثًا من المعمار والعمران، كما أنه من الشخصيات التي تمثل مرحلة انحسار الدولة المملوكية في مصر.
قنصوة الغوري، كأحد آخر السلاطين المماليك، يظل في الذاكرة التاريخية المصرية كرمز للحقبة المملوكية التي انتهت بسقوطها، وبداية مرحلة جديدة من الهيمنة العثمانية التي استمرت لأربعة قرون.