قصة فورد شيلبي

حين لم يعد الطيار وسائق سيارات السباق كارول شيلبي قادراً على خوض السباقات والمشاركة فيها لأسباب صحية مزمنة؛ كان على أتم الاستعداد لتفريغ شغفه بالسرعة وخبرته في عالم السيارات عبر إنشاء شركة تختص بتصنيع السيارات وتطويرها في العام 1962؛ فكانت شركة “شيلبي أميركان” التي بدأت بالعمل على سيارة شيلبي الأولى اعتماداً على الجمع ما بيع محرك 8 سلندر من فورد الأمريكية وهيكل من شركة “أيه سي أيس بريستول” البريطانية لتنتج الشركة أولى اصدارات سيارة شيلبي وهو الطراز الذي أطلقت عليه اسم “شيلبي كوبرا”، سنسرد في هذا المقال قصة سيارة شيلبي بدءاً من تاريخ سيارات شليبي وصولاً إلى ما آلت إليه اليوم، ذلك مع التطرق إلى قصة فورد شيلبي التي تعد إحدى أهم الشراكات التي رسّخت قاعدة صلبة انطلقت منها سيارات شيلبي نحو العالم، كما سنمر في هذا المقال على أبرز ما يخص سيارة شيلبي من محطات وأحداث.

تاريخ سيارات شيلبي

لقد أسهمت تجربة كارول شيلبي والنجاحات التي أحرزها في سباقات السيارات لنحو عشرة أعوام منذ خمسينيات وحتى ستينيات القرن الماضي، من ثم تأسيسه “مدرسة شيلبي” للقيادة عالية الأداء؛ في تشكيل رغبته وطموحه نحو إيجاد سيارات سباق أمريكية متفوقة على نظيراتها الأوروبية، خصوصاً في الوقت الذي لم يكن فيه سوى عدد قليل من الشركات التي تنشط في صناعة السيارات بشكل عام وصناعة السيارات الرياضية بشكلٍ خاص في أوروبا والعالم، بينما لم تكن أياً من شركات السيارات الأمريكية تنتج سيارات رياضية قادرة على المشاركة في السباقات الدولية وسباق GT العالمي الشهير تحديداً، ولم تكن هنالك سيارة رياضية في أميركا سوى شيفروليه كورفيت التي لم تحقق نتائج مرضية في السباقات العالمية، مثل GT في منافسة السيارات الأوروبية التي كانت تتصدر المشهد آنذاك، لذا فلقد عمل شيلبي عبر إنشاء شركته المعروفة باسم “شيلبي أميريكان” على تحقيق تطلعاته بدافع فوز السيارات الأمريكية في سباقات السيارات العالمية وتحقيقها للأرقام القياسية التي كانت تهيمن عليها السيارة الإيطالية فيراري.

انتهجت شركة سيارات شيلبي منذ البداية سياسة تزويد السيارات وتعديلها والتطوير عليها ورفع طاقتها، فلم تكن سيارة شيلبي خالصة الصناعة الذاتية من الشركة بقدر ما كانت تجميع وملائمة لأجزاء سيارات قوية وخارقة لتخرج الشركة منها بسيارة جديدة وهي سيارة شيلبي بمختلف طرازاتها، ذلك بعد أن كانت الشركة متخصصة في صناعة محركات السيارات وتسويقها.

لحسن حظ شيلبي؛ فلقد كانت شركة AC Cars البريطانية قد فقدت في هذه الأثناء موردها لمحرك سيارتها الرياضية “بريستول”، ما دفع كارول شيلبي للتواصل مع الشركة وعرض فكرة سيارة شيلبي عليهم؛ الأمر الذي أثار حماسهم للتعاون مع شيلبي.

في المقابل؛ فكان شيلبي قد عرض فكرة سيارة شيلبي على شركة فورد بغية حصوله على محركات V8 التي كانت ستكون قادرة على إحداث فارق أداء مذهل في السباقات العالمية فيما إذا تم دمجها مع هيكل سيارة بريستول البريطانية، ولقد وافقت فورد على الفكرة التي اعتبرتها سبيلاً ناجحاً لمنافسة شيفروليه كورفيت والتفوق عليها في الولايات المتحدة على الأقل إلى جانب الأمل بحظوة تحقيق النجاحات في السباقات العالمية وعلى رأسها سباق GT، ومن هنا كانت قد بدأت سيارة شيلبي انطلاقتها، وتسطرت الصفحة الأولى من قصة فورد شيلبي التي استمرت لسنوات طويلة بعد هذا التعاون، فلقد استطاعت سيارة شيلبي التفوق بالفعل على سيارة شيفروليه كورفيت في الولايات المتحدة، وحصدت ألقاب وانتصارات متوالية وصولاً إلى العام 1965 الذي تربعت فيه سيارة شيلبي كوبرا على عرش بطولة GT العالمية لسباق السيارات زائحة بذلك فيراري عن الصدارة لأول مرة، ولتتوالى مرات الفوز بعد ذلك وتظل سيارة شيلبي هي السيارة الأمريكية الوحيدة التي استطاعت الفوز في هذه البطولة حتى اليوم.

موستانج شيلبي

بالرغم من حجم المبيعات الهائل الذي حققته فورد موستانج لدى طرحها في الأسواق في عام 1964؛ إلا أن فورد لم تكن مقتنعة أو راضية تماماً عن أداء سياراتها الجديدة، ما حذا بها نحو التعاون مع شيلبي مرة أخرى تطلعاً لتحسين أداء وصورة السيارة، ما فتح فصلاً جديداً من قصة فورد شيلبي وأبواب عهدٍ جديدٍ من اصدارات سيارة شيلبي؛ إذ قامت شركة شيلبي أميركان بإنتاج نسخة موستانج شيلبي في العام 1965 تحت اسم موستانج GT350 بعد أن أجرت عليها تعديلات أحالتها إلى سيارة رياضية بأداء خارق آنذاك، الأمر الذي أكسب سيارات شيلبي سيطاً واسعاً في كافة أنحاء الولايات المتحدة وصداً كبيراً في العالم أجمع، إذ دخلت سيارة موستانج شيلبي في منافسة رابحة مقابل الإصدارات المنافسة من شفروليه كورفيت وجاجوار وصن بيام ومختلف طرازات فيراري في الولايات المتحدة؛ إذ فازت موستانج شيلبي أو موستانج GT350 بالبطولة الوطنية للإنتاج في العام 1965

توالت بعد ذلك اصدارات سيارة شيلبي المطورة عن فورد موستانج والتي كان كل طراز منها يحقق نجاحاً مدوّياً من موستناج GT350 إلى موستانج GT500 وصولاً إلى شيلبي GT500 وما تلاها من إصدارات موستانج شيلبي التي أثرت قصة سيارة شيلبي بالتطورات والنجاحات.

سنوات التقاعد

أفردت شركة فورد في العام 1968 خط إنتاج خاص لصناعة وتسويق سيارات شيلبي مبتعدة عن التصورات التي كانت تعدها شركة شيلبي أميركان، وفي العام 1970؛ تقاعد كارول شيلبي من صناعة سيارات السباق ليعود في العام 1971 ويؤسس شركة “شيلبي ويل” المتخصصة بتصنيع وتوزيع عجلات السيارات.

سنوات دودج

الذي مهّد الطريق للتعاون ما بين شركة فورد وشركة كارول شيلبي الناشئة لدى بدء تعاونها مع فورد؛ كان مسؤولاً اسمه لي لاكوكا، ولقد جمعت شيلبي ولاكوكا علاقة وطيدة بحكم شراكة عملهما لسنوات معاً، وفي العام 1978؛ عيّنت شركة كرايسلر لاكوكا كمسؤول كبير في الشركة لإنقاذها من الإفلاس والإغلاق تزامناً مع تصدّع الشركة واقترابها من الانهيار، ولقد نجح لاكوكا بالفعل في إسناد كرايسلر وإعادتها للمنافسة، وفي العام 1982؛ ارتأى لاكوكا ضرورة إعادة تأسيس خط إنتاج سيارات دودج في التي كانت تنتجها شركة كرايسلر و توقف إنتاجها لسنوات مع تداعيات الانهيار، وكان كارول شيلبي الخيار الأمثل لشد أزر لاكوكا في إعادة إحياء دودج، إذ استعان لاكوكا بشيلبي لإيجاد تصور يحقق هذا الهدف وينجز المهمة.

ولقد بدأ التعاون بالفعل في العام 1983 عبر إنتاج سيارة دودج تشارجر شيلبي التي جرى من خلالها التعديل على دودج تشارجر عبر التصميم المحسن وأنظمة التعليق المطوّرة والشاحن التوربيني بسعة 2.2 لتر وغير ذلك من الإضافات والتعديلات المهمة، ولقد استطاعت اصدارات سيارة شيلبي أن تعود إلى الواجهة بالفعل بواسطة التعاون مع دودج وإنتاج نسخ ناجحة ومتفوقة من ناحية السرعة والاقتصاد في استهلاك الوقود من تشارجر شيلبي في الأعوام ما بين 1983 وحتى 1987، كذلك فلقد ازداد حضور سيارة شيلبي لاحقاً عبر إصدارات دودج من فئة أومني” وفئة “دايتوانا” المعدلتين بواسطة كارول شيلبي وشركته “شيلبي أميركان”.

كما أطلقت الشركة في العام 1986 سلسلة سيارات شيلبي GLHS التي بدأتها مع أومني شيلبي GLHS، تبعتها تشارجر شيلبي GLHS التي جاءت مزودة بمبردٍ داخلي ومجمع سحب خاص من شيلبي إلى جانب العديد من الإضافات والمزايا الأخرى المهمة؛ إذ بدا أداء سيارات شيلبي خفيفة الوزن التي تعتمد على محرك 4 سلندر؛ مماثلاً لأداء سياراتها التي كانت تعتمد على محركات 8 سلندر قبل نحو 20 عاماً من ذلك، ولقد شملت اصدارات سيارات شيلبي التي جرى إنتاجها في مصانع شركة شيلبي أميركان بالتعاون مع دودج كلاً من شادو CSX وCSX-T التي تم إنتاجها لصالح شركة “ثريفتي” لتأجير السيارات، هذا إلى جانب سيارة شيلبي لانسر وسيارة شيلبي داكوتا.

كما ابتكر شيلبي أثناء تعاونه مع دودج سلسلة مواصفات “اس سي سي ايه”، و”شيلبي كان-ايه ام”، وهي التي أعيدت تسميتها لاحقاً “سلسلة مواصفات دودج / شيلبي الاحترافية” ولقد كان أبرز ما في هذه السلسلة من المواصفات؛ تقديمها سيارات دودج مدعومة بمحرك 6 سلندر وخزان وقود بسعة 3.3 لتر وقوة 255 حصان، ذلك إلى جانب تقديمها للعديد من المزايا المذهلة التي أثارت حماس سباقات الطرق؛ ما جعل النجاح حليفها في مناطق متعددة من العالم.

فورد شيلبي وشيلبي GT من جديد

عادت شركة سيارة شيلبي للتعاون مع شركة فورد مرة أخرى على صناعة سيارات سريعة بعد تقديمهما سيارة موستانج شيلبي جديدة ذات تصميم قديم في العام 2005؛ إذ عاودت شيلبي إنتاج سيارات موستناج شيلبي عالية الأداء بأصناف وفئات مختلفة، وكانت شركة شيلبي تحتفل بالتوازي مع ذلك؛ بالذكرى الأربعين لتعاونها مع شركة تأجير السيارات العالمية “هيرتز” وإنتاجها لسيارة GT-H بالشراكة معها، وكانت قد أثبتت شركة هيرتز جماهريتها العالية آنذاك ما جعل جمهور الشركتين يطالبون بنسخة جديدة من سيارة GT-H، ولقد استجابت شركة سيارات شيلبي بالفعل لهذه المطالب عبر إنتاجها نسخة جديدة من سيارة شيلبي جي تي كانت مسيرتها الجديدة محفوفة بالنجاحات من حيث الأعداد الكبيرة التي تم إنتاجها وعمليات البيع الواسعة التي جرت من خلال الشركة ومن قِبل تجار فورد وغير ذلك من الجهات الأخرى.

وحينما صدرت في العام 2007 سيارة فورد شيلبي جي تي 500 فائقة الشحن سوبر تشارج؛ كانت شركة شيلبي قد أصبحت جاهزة للمضي قدماً في حقبة جديدة من قصة فورد شيلبي المميزة والناجحة، كما كانت جاهزة للعمل عن كثب مرة جديدة مع شركة فورد، إذ عرضت الشركتان سيارة GT500KR بواسطة وكلاء فورد في العالم، إلى جانب عرضهما سيارة GT500 سوبر سنيك التي كانت متوفرة في معارض شركة شيلبي بشكل مباشر، كذلك فلقد تم تقديم سيارة شيلبي 1000 بقوة حصانية وقدرات أعلى وأكبر مما كانت عليه سابقاً، كما أعادت شركة شيلبي أميركان سيارة شيلبي GT350 إلى الحياة في العام 2011 مع محرك V8 الجديد بسعة 5.0 لتر، وكانت الشركة بذلك قد أعادت طرح اصدارات سيارة شيلبي من سيارة شيلبي GT500 وسيارة شيلبي GT350 في الأسواق لأول مرة منذ العام 1970، واستمر خط انتاج موستانج شيلبي حتى يومنا هذا الذي نستذكر فيه تميز نسخ من موستانج شيلبي مثل موستنج شيلبي 2018 وفورد موستنج شيلبي 2020 كما نستذكر نسخها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولا يكل جمهور شيلبي وفورد عن تفقد ومراقبة كل جديد تصدره الشركتين سواء في العام 2022 أو ما يسبقه أو يليه من الأعوام التي تتعاون فيه الشركتين على صناعة التميز والإبداع في عالم السيارات.

سيارة شيلبي اليوم

ترتبط سيارة شيلبي بفورد موستناج لسبب وجيه؛ وهو مواكبة ومساندة إنتاج هذه السيارة منذ البداية عبر تعاون فورد وشيلبي على إنتاج مجموعة كبيرة من سيارات موستانج شيلبي القوية والسريعة في فترات كثيرة، ولقد توسعت تشكيلة سيارات شيلبي اليوم لتشمل مجموعة من الشاحنات ومركبات البيك أب الخارقة والمتفوقة في العالم مثل شيلبي رابتور، وشيلبي F-150، وشيلبي F-150 سوبر سنيك، وشيلبي F-250 ديزل، وما زالت تتطور شركة سيارات شيلبي ويزدهر قسم قطع الأداء المتفوق فيها، حتى غدت شيلبي أكثر من منشأة تصنيع وتجميع وتعديل وحتى صناعة سيارات، بل وجهة لجماهيرها وعشاق السيارات في العالم بشكلٍ عام، إذ توصف شركة سيارات شيلبي اليوم بمركز تراثي ومعرض لمجموعة من السيارات الاستثنائية في العالم على مدى فترات متلاحقة منذ منتصف القرن الماضي.

خلاصة القول؛ فلقد توفي كارول شيلبي في العام 2012 إلا أن الشركة ما زالت قائمة كواحدة من أعرق وأهم شركات السيارات الموازية أو المكافئة قليلة الوجود، التي تعمل على دعم ومساندة شركات السيارات والتطوير على إنتاجها وتعزيز أداءها.

منقول من مدونة دوبيزيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *